في تحليلٍ لاحقٍ لشركةٍ تجاريةٍ فاشلة، اكتشف المحققون أمرًا غريبًا. كان أفضلُ متداولٍ في الشركة، وهو متداولٌ تفوقَ باستمرارٍ على احتمالاتِ الشركةِ لثلاثِ سنوات، يحتفظُ بدفترينِ منفصلين. كان الأولُ سجلًّا قياسيًا للتداول ، يُفصِّلُ عملياتِ الدخولِ والخروجِ والأرباح.
الثاني، وهو دفتر ملاحظات حلزوني بسيط، لم يكن يحتوي على أرقام. بل كان مليئًا بكلمات مفردة بجوار كل تاريخ تداول: "قلق"، "جشع"، "صبور"، "خائف". كان يتتبع حالته النفسية. وعندما سُئل عن السبب، أوضح أن السوق لا يملك سوى أنماط قليلة، لكن استجاباته العاطفية كانت متفاوتة بشكل لا نهائي ومدمر. لم يكن نجاحه نابعًا من توقعه للسوق، بل من توقعه لنفسه.
يحتفظ معظم المتداولين بسجلات لتداولاتهم. قليلون هم من يحتفظون بسجلات لمشاعرهم. هذا هو الفرق بين الهاوٍ والمحترف. إن سجل التداول الذي يتجاهل الحالة النفسية للمتداول لا يكشف إلا نصف الحقيقة.
لماذا تتبع أكثر من مجرد أرقام؟
إن مجرد سجلّ الأرباح والخسائر لا يكفي. فهو يُظهر ما حدث، ولكن ليس سبب حدوثه. قد يُجري متداولان نفس الصفقة، أحدهما بناءً على خطة محكمة والآخر بناءً على حدس. قد تكون النتيجة متطابقة، لكن العملية الكامنة وراءها مختلفة تمامًا. المتداول الذي يتصرف بدافع الاندفاع لا يكتسب أي فهم ذي معنى، بغض النظر عن النتيجة. أما المتداول المنضبط، فقد جمع بيانات قيّمة.
الغرض من السجلّ المُتقدّم هو تسليط الضوء على عملية اتخاذ القرار نفسها. فهو يربط بين "الغرض" (الصفقة) و"السبب" (المحفّز). يُعدّ الخوف من تفويت الفرصة، أو ما يُعرف بـ FOMO ، من أكثر القوى تدميرًا في التداول. فهو يُجبر المتداول على التسرّع في اتخاذ خطوة متأخرة، أو التخلي عن أمر وقف الخسارة، أو اتخاذ مركز لا يتوافق مع الخطة. تبدو هذه الإجراءات مُلحّة وضرورية في الوقت الحالي.
لا يتضح الخطأ إلا بعد فوات الأوان. تُقدم المجلة هذه الرؤية بصيغة تحليلية منظمة، مما يسمح للمتداول بتحديد المواقف المحددة التي تُحفز هذه الدوافع.
تشريح مجلة كاملة
يجب أن تكون المجلة قاعدة بيانات شاملة لأداء المتداول. يجب أن تتضمن بيانات كمية ونوعية لكل صفقة. إنشاء سجل مفصل يُحوّل التداول من سلسلة من الأحداث المتقطعة إلى مهنة قائمة على الأداء. الهدف هو جمع معلومات كافية لرصد أنماط السلوك المتكررة.
تتضمن مجلة التداول الاحترافية المجالات التالية:
1. بيانات التجارة القياسية
- التاريخ والوقت: اللحظة المحددة للدخول والخروج.
- الأداة : الأصل الذي يتم تداوله (على سبيل المثال، EUR/USD).
- الموقع : طويل أو قصير.
- سعر الدخول والخروج : أسعار التنفيذ.
- سعر وقف الخسارة وسعر الهدف : نقاط الخروج المخطط لها في وقت الدخول.
- حجم المركز : حجم التداول.
- الربح/الخسارة : النتيجة المالية النهائية.
2. بيانات الأداء النوعية
➖ سبب التداول : وصف موجز للإعداد. هل كان إعدادًا ممتازًا يتوافق تمامًا مع خطة التداول؟ أم كان انحرافًا؟
➖ الحالة العاطفية (قبل التداول) : ما هو شعور المتداول قبل الدخول؟ واثق، هادئ، قلق، متسرع، ملل؟ كلمة واحدة تكفي في كثير من الأحيان.
➖ الحالة العاطفية (أثناء التداول) : كيف كان شعور المتداول أثناء فتح الصفقة؟ يُعدّ هذا الأمر بالغ الأهمية لتحليل القرارات المتخذة أثناء التداول، مثل تغيير مستوى وقف الخسارة أو الخروج مبكرًا.
➖ الحالة العاطفية (بعد التداول) : الشعور بعد إغلاق التداول. البهجة بعد الفوز أو الإحباط بعد الخسارة قد يؤديان إلى الثقة المفرطة أو التداول الانتقامي. تشير الاستجابة المحايدة إلى النضج والتحكم.
➖ درجة الانضباط : تقييم بسيط، على سبيل المثال من ١ إلى ٥. ٥ تعني أن الخطة اتُّبعت بدقة. ١ تعني أن الصفقة كانت بدافع اندفاعي بحت.
كيفية تحديد محفزات الخوف من تفويت الفرص في البيانات
بعد أسبوع أو شهر من تدوين اليوميات بدقة، يصبح لدى المتداول مجموعة بيانات غنية لتحليلها. تتمثل المهمة في أن يصبح محققًا، يبحث عن أدلة تربط الظروف بالسلوك. ينبغي على المتداول تخصيص وقت في نهاية كل أسبوع لهذه المراجعة. تتضمن العملية فرز اليوميات حسب أعمدة مختلفة للعثور على الارتباطات.
➖ رتّب حسب درجة الانضباط: انظر إلى جميع الصفقات ذات الدرجة المنخفضة (1 أو 2). ما هو القاسم المشترك بينها؟ هل تحدث في وقت معين من اليوم، مثل افتتاح السوق؟ هل تحدث بعد سلسلة من الخسائر؟ هذا غالبًا ما يكشف عن محفزات الخوف من تفويت الفرصة. قد يجد المتداول أن معظم الصفقات الاندفاعية تحدث بعد رؤية نقاش حول زوج عملات معين على وسائل التواصل الاجتماعي.
➖ رتّب حسب الربح/الخسارة : افحص أكبر الصفقات الخاسرة، ثم قارنها بدرجة الانضباط. من الشائع أن تكون أكبر الخسائر نتيجة مباشرة لأسوأ انضباط. قد يلاحظ المتداول أن خسارة كبيرة حدثت بسبب تجاهل أمر وقف الخسارة الأولي. قد يُظهر قيد اليومية لتلك الصفقة شعورًا "بالاندفاع" قبل الصفقة وشعورًا "بالأمل" في منتصفها. هذا نمط شائع من أنماط الخوف من تفويت الفرص: مطاردة حركة ثم أمل في أن تنعكس.
➖ حلل التعليقات : اقرأ الملاحظات لجميع الصفقات التي يحركها الخوف من تفويت الفرص. ما هو السياق؟ هل كان المتداول متعبًا؟ هل كان هناك خبر هام؟ اكتشف أحد المتداولين من خلال مذكراته أن خوفه من تفويت الفرص كان في أعلى مستوياته أيام الجمعة. شعر بضغط لاستعادة أي خسائر تكبدها في الأسبوع الذي سبق إغلاق السوق. سمحت له هذه الفكرة بتغيير قواعده وإيقاف التداول بعد ظهر يوم الجمعة.
فيما يلي جدول مبسط يوضح كيف يمكن أن يبدو هذا التحليل.
| درجة الانضباط | الربح/الخسارة | الحالة العاطفية (قبل التداول) | ملحوظات |
| 2/5 | -250 دولارًا | متسرع | طاردتُ اختراقًا على الرسم البياني للخمس دقائق. لم يكن ذلك جزءًا من الخطة. |
| 5/5 | -100 دولار | هادئ | تم اتباع الخطة. كانت الصفقة خسارة فادحة. |
| 1/5 | -400 دولار | طماع | تمت إضافته إلى موقف فائز بدون إشارة صالحة. |
| 5/5 | +200 دولار | هادئ | تم اتباع الخطة. تم الخروج عند الهدف المحدد مسبقًا. |
يُظهر هذا الاستعراض البسيط أن التداولات التي تفتقر إلى الانضباط، مدفوعةً بمشاعر التسرع أو الجشع، تُسبب أكبر الخسائر. يُمكّن التدوين والتحليل المُنتظم المتداولين من تحديد هذه المحفزات العاطفية وقياسها، وفي النهاية تحييدها.
.
من كتابة اليوميات إلى العمل
المعلومات قيّمة فقط عندما تُحدث تغييرًا. الخطوة الأخيرة هي وضع قواعد جديدة بناءً على نتائج السجل. يكشف السجل عن المشكلة، ويجب على المتداول إيجاد حل.
- إذا نشأ الخوف من تفويت الفرص بعد تحقيق أرباح كبيرة : فحدد فترة تهدئة إلزامية، على سبيل المثال، خذ استراحة لمدة 30 دقيقة بعد أي صفقة تحقق كامل ربحها. هذا يمنع الشعور بالثقة من أن يؤدي إلى صفقة لاحقة متهورة.
- إذا كان مُعلِّقو السوق يُثيرون الخوف من فوات الفرصة : ألغِ متابعة الحسابات التي تُروِّج للضجيج. أنشئ بيئة معلوماتية واضحة تُركِّز على حركة الأسعار، لا على الآراء.
- إذا تكرر الخوف من تفويت الفرص في أوقات محددة: قيّد التداول خلال تلك الفترات. إذا كانت الساعة الأولى من جلسة لندن مصدرًا متكررًا للأخطاء الاندفاعية، فعلى المتداول أن يكون مراقبًا فقط خلال تلك الفترة.
تُعدّ المذكرات أداةً للوعي الذاتي ، فهي تُقدّم دليلاً موضوعياً على سلوكيات المتداول. فمن خلال توثيق ليس فقط الصفقات، بل أيضاً العقل المُدبّر لها، يُمكن للشخص أن يتحوّل من كونه ضحيةً للعادات العاطفية إلى مُصمّمٍ لعمليةٍ منضبطة.
كلمة أخيرة في خطر
ينطوي تداول الأدوات المالية، مثل الفوركس والسلع والمؤشرات والعملات الرقمية، على مخاطر عالية، وقد لا يكون مناسبًا لجميع المستثمرين. قد تُضاعف الرافعة المالية الأرباح والخسائر، وهناك احتمال لخسارة رأس المال المستثمر بالكامل. الأداء السابق لا يضمن النتائج المستقبلية، ولا توجد استراتيجية أو خطة أو نظام تداول يضمن الأرباح أو يُجنّب الخسائر. ينبغي على المتداولين التداول فقط بالأموال التي يستطيعون تحمل خسارتها، ونُشجّعهم بشدة على فهم جميع المخاطر المرتبطة بذلك قبل المشاركة في الأسواق. يُنصح بطلب المشورة المالية أو المهنية المستقلة عند الضرورة.
